إن دين الإسلام وهو يقرر مبادئ الحق ويصوغ قواعد الإصلاح ويؤسس مناهج الخير، فهو الدين الذي يكفل لهذه المبادئ الخيرة، والمناهج الإصلاحية طرقًا توصل إليها، ووسائل تضمن سلامتها مما يُخل بها، أو يناقض أغراضها ويهدد مقصودها.
وإن من أبرز أسباب إقامة العدل، وأظهر ركائز القسط القيامَ بالشهادة ومعرفة أهميتها، ودورها في المجتمع، ومراعاة حقها والواجب نحوها.
الشهادة معيار لتمييز الحق من الباطل، وحاجز يفصل الدعاوى الصادقة من الكاذبة، قال بعضهم: الشهادة بمنزلة الروح للحقوق، فالله أحيا النفوس بالأرواح الطاهرة، وأحيا الحقوق بالشهادة الصادقة.
والشهادة ضرورية لقيام الحياة الإجتماعية، وما يخالطها من أحداث ويصحبها من وقائع مادية وتصرفات إرادية ومعاملات وعلاقات عائلية، قال شريح رحمه الله: الحكم داءٌ، والشهادة شفاءٌ، فأفرغ الشفاء على الداء.
إخوة الإسلام، توفية الشهادة حقَّها فرض لازم وواجب محتَّم يقول جل وعلا: {وَأَقِيمُواْ الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق:2].
والقائمون بشهاداتهم في عداد أهل البر والإحسان، ومن زمرة أهل الفضل والإيمان، يقول جل وعلا في وصف المكرمين: {وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَاداتِهِم قَائِمُونَ} [المعارج:33].
ومن حقوق الإيمان وواجباته الشهادة بالحق، ولو على النفس أو أقرب قريب، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء للَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ} [النساء:135].
وإن كتمان الشهادة جرم عظيم وإثم كبير، يقول جل وعلا حكاية عن شهود الوصية: {وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الآثِمِينَ} [المائدة:106]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: شهادة الزور من أكبر الكبائر، وكتمانها كذلك.
وإذا تمهدت لنا تلك الحقائق الغراء، فإن من اللازم على المسلم العلم بأن شريعة الإسلام وهي تجعل الشهادة أساسًا لإثبات الحدود وطريقًا لإظهار الحقوق، فإنها تحيط الشهادة بسياج يحقق أهدافها، وتشرعها وفق ضوابط تضمن تحقيق مقاصدها، وتسيّر طرق إنشائها وعرضها في محيط مبادئ، وأسس تمنع الإنحراف بها إلى ما يضاد أهدافها وأغراضها، وتأسيسًا على ذلك فالأصل في شريعة الإسلام أن تكون الشهادة مبنية على علم وبيان، وأن تنشأ عن ثقة واطمئنان، قال تعالى: {إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف:86]، ويقول عز وجل حكاية عن إخوة يوسف: {وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا} [يوسف:81].
ومن تلك المنطلقات الآنفة، فإن شهادة الإنسان على ما لا يعلمه أو شهادته بخلاف ما يعلمه جريمة عظمى وطامة كبرى.
نعم، كيف لا تكون كذلك؟! وهي حقيقة شهادة الزور التي هي عند أهل العلم الشهادة الكاذبة التي ليس لها أساس من الصحة، أيًا كانت دوافعها، ومهما كانت تبريراتها.
قال بعضهم: الزور هو الكذب الذي قد سُوّي وحُسِّن في الظاهر ليُحسب أنه صدق... انتهى.
شهادة الزور واضحة الأضرار سيئة الآثار، ولا غرو فهي تحوِّل الشهادة عن وظيفتها، فتكون سندًا للباطل بدلَ الحق، وعونًا للجور مكانَ العدل، كيف وهي سبب لطمس معالم الإنصاف، وطريقٌ لفساد الأحكام، وسبيل لتقويض الأمن والأمان، فإتقوا الله والتمسوا سبل المتقين، وطريق المؤمنين، الذين قال الله جل وعلا فيهم: {وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّواْ كِرامًا} [الفرقان:72].
للشيخ: حسين بن عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله.
المصدر: شبكة مسلمات